حكى أن بعض الصالحين كان له أخ في الله ،وكان من الصالحين، يزوره في كل سنه مرة ، فجاء لزيارته ،فطرق الباب فقالت امرأته : من ؟ فقال : أخو زوجك في الله جئت لزيارته، فقالت : راح يحتطب ، لا رده الله ولا سلمه، وفعل به وفعل – يعني دعت عليه – وجعلت تذمذم عليه – أي تذمه – فبينما هو واقف
على الباب وإذا بأخيه قد أقبل من نحو الجبل ،وقد حمل حزمه من الحطب على ظهر أسد وهو يسوقه بين يديه ،فجاء فسلم على أخيه ورحب به، ودخل المنزل وأدخل الحطب، وقال للأسد : اذهب بارك الله فيك، ثم أدخل أخاه، والمرأة على حالها تذمذم وتأخذ بلسانها ، وزوجها لا يرد عليها ، فأكل مع أخيه شيئاً ، ثم ودعه وانصرف ، وهو متعجب من صبر أخيه على تلك المرأة . قال : فلما كان العام الثاني جاء أخوه لزيارته على عادته فطرق الباب فقالت امرأته : من بالباب؟ قال :أخو زوجك فلان في الله ، فقالت : مرحباً بك وأهلاً وسهلاً اجلس ، فإنه سيأتي إن شاء الله بخير وعافية . قال :فتعجب من لطف كلامها وأدبها ، إذ جاء أخوه وهو يحمل الحطب على ظهره فتعجب أيضاً لذلك ، فجاء فسلم عليه ودخل الدار وأدخله وأحضرت المرأة طعاماً لهما وجعلت تدعوا لهما بكلام لطيف ، فلما أراد أن يفارقه قال : يا أخي أخبرني عما أريد أن أسألك عنه . قال : وما هو يا أخي ؟ قال : عام أول أتيتك ، فسمعت كلام امرأة بذيئة اللسان قليلة الأدب ، تذم كثيراً ورأيتك قد أتيت من نحو الجبل والحطب على ظهر الأسد ، وهو مسخر بين يديك ، ورأيت العام كلام المرأة لطيفاً لا تذمذم ، ورأيتك قد أتيت بالحطب على ظهرك فما السبب ؟ قال : يا أخي : توفيت تلك المرأة الشرسة وكنت صابراً على خُلقت وما يبدو منها . كنت معها في تعب وأنا أحتملها ، فكان الله قد سخر لي الأسد الذي رأيت ، يحمل عني الحطب بصبري عليها واحتمالي لها ، فلما توفيت تزوجت هذه المرأة الصالحة ، وأنا في راحة معها فانقطع عني الأسد ، فاحتجت أن أحمل الحطب على ظهري لأجل راحتي مع هذه المرأة المباركة الطائعة